البحث الأول (الرسول والأهلة)استطلاعالهلال/أ-د-محمد المسير

تكليف الله تعالى لعباده إنماهو بالمستطاع،والمراد شرعآمن استطلاع الهلال هورؤيته بالأبصار وإخبار الناس به على وجه اليقين،وإن لفظ الهلال مأخوذ من الظهور ورفع الصوت بالإخبار برؤيته ،يقال:أهل بالحج أو العمرة إذارفع الصوت بالتلبية حين النية .فمجرد طلوع الهلال فى الأفق حيث لايراه أحد لايتعلق به حكم شرعى ،وبالتالى فلسنا مكلفين شرعآباستخدام الآلات والأجهزة لكى نرى الهلال عن بعد بعيد..وفى الصحيحأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاللاتصوموا حتى ترواالهلال،ولا تفطرواحتى تروه،فإن غمى عليكم فاقد روا له)ومعنى (غمى)أى حال بينكم وبينه غيم،واختلف العلماء فى معنى (فاقدروا له)-كما حكى الإمام النووى:فقالت طائفة من العلماء :معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب ،وممن قال بهذا أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم ليلة الغيم عن رمضان،وقال ابن سريج وجماعة منهم مطرفبن عبد الله وابن قتيبةوآخرون:معناه :قدروهبحساب المنازل.وذهب مالك والشافعى وأبو حنيفة وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه :قدروا له تمام العدد ثلاثين يومآ،قال أهل اللغة:يقال :قدرت الشىء :أقدره وأقدره وقدرته وأقدرته،بمعنى واحد،وهو من التقدير.قال الخطابى:ومنه قول الله تعالى(فقدرنا فنعم القادرون)واحتج الجمهور بالروايات المذكورةفأكملوا العدة ثلاثين)وهو تفسير لقوله(فاقدروا له)ولهذا لم يجنمعا فى رواية ،بل تارة يذكر هذا يذكر هذا ،ويؤكده الرواية السابقة فافقدروا له ثلاثين)قال المازرى :حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم(فاقدروا له)على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره فى حديث آخر قالوا:ولايجوزأنيكون المراد حساب المنجمين،لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم ،لأنه لايعرفه إلا أفراد ،والشرع إنما يعرفالناس بما يعرفه جماهيرهم،والله أعلم)وليكن معلومآأن هذا الأختلاف كله إنما هو فى ليلة الغيم والسحب ،أما حيث يكون الجو مكشوفآوصحوآ ثم لم يرالهلالفيجب إكمال العدة ثلاثين..وحصول العلم بظهور الهلال يرجع إلى الحس والخبر.فمن رأى الهلال وتأكد منه وكان منفردآفجمهور العلماء على أنه يعمل برؤية نفسه..وأما ثبوت الرؤية لدى المسلمينفتحتاج إلى شهود جماعة يقع اليقين بخبرهم .وفى مذهب أبو حنيفة أنه إذا كانت السماء خالية من الموانع فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم،وتقدير الكثرة منوط برأى الإمام أو نائبه،ولا يلزم عددمعين على الراجحفيجب أن يوكل استطلاع الهلال لجماعة من أهل العلم والدين ويستشرفون المناطق المرتفعة،ولا يترك أمر الرؤية لعوام الناسوأعراب البادية للشبهة المتمكنةفيهم ،فإن الدين أجل من أن يؤخذ بشهادة من لايحسن الوضوء أو من لا يخشى الله حق خشيته.ومن القضايا التى كثر الحديث فيها:هل لكل بلد رؤيته أم أنه إذا ثبت الهلال فى بلد ثبت حكمه لباقى البلاد؟ وليس فى القضية نص صريح ،وكل ما ورد أن أم الفضل بنت الحارث بعثت كريبآإلى معاوية بالشام .قال-كما فى مسلم -فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وانا بالشام ،فرأيت الهلالليلة الجمعة،ثم قدمت المدينة فى آخر الشهر فسألنى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما،ثم ذكر الهلال فقال :متى رأيتم الهلال؟فقلت رأيناه ليلة الجمعة .فقال أنت رأيته؟فقلت :نعم ورأه الناس وصاموا وصام معاوية.فقال :لكنا رأيناه ليلة السبت ،فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه.فقلت :أو لاتكتفى برؤية معاوية وصيامه؟فقال:لا،هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.وعلق الإمام النووى على الحديث يقوله:والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لاتعم الناس؟،بل تختص بمن قرب مسافة لاتقصر فيها الصلاة..وقيل :إن اتفق المطلع لزمهم.وقيل إن اتفق الإقليم وإلا فلا.وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية فى موضع جميع أهل الأرض ،فعلى هذا نقول ،وإنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة فلا تثبت بواحد ،لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا ،وإنما رده لأن الرؤية لم يثبت حكمها فى حق البعيد)ونحن نرى أن المسألة -كماهو واضح-ليس فيها قاطع شرعى ،وأصبحت الدولة الآن مترامية الأطراف ،ومن المعلوم فقها أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ،فمتى ثبت الهلال فى بلد إسلامىثيت حكمه لباقى البلاد الإسلامية التى تشترك معها فى جزء من الليل طالما نقل الخبر فى حينه على جهة اليقين.وبالنسبة للأقليات الإسلامية فى مناطق لاتشترك مع العالم الإسلامى فى جزء من الليل يكون لها رؤية خاصة تتولاها المراكز الإسلامية الموجودة فى هذه البلاد..ومن المعلوم شرعآأن الصوم يجب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طال النهار أو قصر ،فحيث يوجد الليل والنهار فى مدى الأربع والعشرين ساعة يجب الالتزام بالآية الكريمة(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجرثم أتموا الصيام إلى الليل)لكن إذا كانت الشمس لاتشرق إلا بعد شهور أو تغرب إلا بعد شهور ،فيلزم حينئذ قياس الليل والنهار على أقرب البلاد إلى هذه المناطق............